بيان عن مناهضة الإمبريالية

بيان عن مناهضة الإمبريالية

إن مناهضة الإمبريالية إحدى أسس سياسة حزب اليسار الراديكالي الصربي. يجزم الحزب أن النضال ضد الإمبريالية ليس مجرد مسألة أخلاقية أو مسألة سياسة خارجية فحسب، بل هو في الحقيقة أداة لتحقيق فهم شامل لتناقضات الرأسمالية النيوليبرالية. إن الإمبريالية ليست مجرد مسألة سياسة خارجية، بل هي نظام عالمي يؤثر على جميع الجوانب الحياة من ثمن الخبز إلى مكانة العمال في مجتمعاتنا إلى تحرير الجماعات المضطهدة.

دخلت الإمبريالية — باعتبارها أعلى مراحل الرأسمالية — مرحلة جديدة أحادية القطب بعد نهاية الحرب الباردة. تم التأسيس لهذا النظام الدولي الذي نعيش فيه اليوم إثر هزيمة ألمانيا النازية وحلفائها في الحرب العالمية الثانية، وذلك عندما بدأ تفكك التقسيم الإمبريالي القديم — ذلك الذي قسم العالم إلى مستعمرات مباشرة، وتم استبداله بعالم الأمم المتحدة الجديد — ذلك الذي تتمتع فيه دول العالم الثالث باستقلال صوري وسيادة رسمية قائمة على مبدأ تقرير المصير، لكنه في الواقع يظل عالمًا منقسمًا إلى دول مركز ودول محيط. عندما سقط الاتحاد السوفياتي والاشتراكية الحقيقية في أوروبا، اختفى مخزون القوة الذي كان له أن يقاوم هيجان رأس المال المدعوم بآلة حرب حلف الناتو والمؤسسات النقدية «الأممية المستقلة» التي تتبع في الواقع لدول المركز الرأسمالي كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

إن ما يسمى «الدول المتقدمة» تشكل مركزًا رأسماليًا متكاملًا يتركز فيه رأس المال الذي يتحكم بالمؤسسات الدولية، وخارج هذا المركز توجد دول أخرى تتمتع بحالة مالية وتكنولوجية جيدة بسبب اعتمادها على الدول المتقدمة مقابل تدفق مواردها الطبيعية والبشرية إلى المركز. هذا التفاوت العالمي يتجاوز في حجمه التفاوتات الموجودة داخل أيٍّ من هذه البلدان، بل وإنه يزيد من حدة هذه التفاوتات المحلية إن لم يكن هو من خلقها أساسا. إن الدولة الرائدة في المركز الرأسمالي هي الولايات المتحدة الأمريكية التي تحافظ على قوتها العسكرية والسياسية من خلال هذا النظام بدعم من دول «العالم الأول» الأخرى.

تتجلى «إمبريالية ما بعد الحرب الباردة» من خلال المجالين الاقتصادي والعسكري، فتفرض على دول المحيط الإصلاحات الهيكلية و«العلاج بالصدمة» والخصخصة وإجراءات التقشف من جهة، ومن جهة أخرى تنفذ التدخلات العسكرية المباشرة. إننا بصفتنا حزبا اشتراكيا نرى أن للإمبريالية دورا رئيسا في تدمير اقتصادنا وتهميش طبقتنا العاملة هنا في صربيا، ونرى أيضا أنها تلعب نفس الدور في باقي دول المحيط، ونعتبر أن مناهضة الإمبريالية جزء لا يتجزأ من نضالنا من أجل عالم أفضل ومجتمع متساوٍ.

دمرت الخصخصة بالكامل قطاعنا الصناعي وباعته بأبخس الأثمان، وألغت مئات الآلاف من الوظائف وسرقت قوت يوم العامل. تم «إصلاح» قوانين الإسكان بتدخل أمريكي وأوروبي مباشر، وتم تحويل الطبقة العاملة الصربية إلى طبقة رخيصة الأجر محرومة الخبز مجبرة على أن ترزح تحت انعدام كامل للأمن الوجودي في مجتمع بلا شروط، لا حد فيه للاستغلال. يقوم الاستعمار بإخضاع الدولة والسكان تحت عبودية الديون الخارجية، فكل قرض من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مشروط بالخصخصة ورفع الدعم الاستهلاكي وتدمير الخدمات العامة.

إن هذا البؤس المتزايد باستمرار — كما هو الحال في العديد من البلدان الأخرى — ليس نتيجة لعدم الكفاءة أو لعيب في عقلية سكان صربيا، بل إنه نتاج الروابط الإجرامية بين الحكومة النيوليبرالية ومرشديها الغربيين الذين يلهمونها ويفصلون لها الحلول على المقاس ويقدمون لها الدعم اللوجستي والمالي والفكري في هجماتها المستمرة على الظروف المعيشية والأمن الوجودي للشعب.

في الوقت نفسه تمارَس ضغوط من الخارج والداخل على صربيا للتخلي عن آخر بقايا استقلالها وعدم انحيازها. إن حزبنا يرى أنه من الضروري مقاومة مشاريع توريط صربيا في مصالح الكتلة الإمبريالية ومشاريعها وحروبها الهجينة، وهذا المبدأ يزداد أهمية خاصة مع تدهور الوضع العالمي في السنوات القليلة الماضية. إنه لمن الضروري أن تبذل كل الحراكات والقوى المعادية للحرب والمناهضة للإمبريالية في صربيا كافة جهودها في سبيل منع توريط بلدنا في أتون الحرب الباردة الجديدة وربما حتى الحرب العالمية القادمة.

إن مصدر التصعيد العالمي اليوم هو صعود الصين التي تهدد التقسيم الحالي للسلطة العالمية، ولذلك فإن القوى الإمبريالية أضحت تدعو صراحة إلى مواجهة الصين وحلفائها وتعتبر ذلك أولوية استراتيجية. لهذا السبب نشهد اليوم تزايدا مطردا لتركيز القوى العسكرية في أوروبا والمحيط الهادئ وعودة إلى استبداد الحرب الباردة الأولى وإلغاءا للديمقراطية وتزايدا في الرقابة ومطاردة عمياء لهؤلاء الذين تزعم السلطة أنهم «عملاء خارجيون ذوو تأثير خبيث».

إن القوى الإمبريالية دائما ما تسيء استخدام المبادئ الاجتماعية التقدمية المختلفة مثل حقوق المرأة أو حقوق المثليين أو الحراك البيئي وتحرف معناها من أجل استخدامها ذريعة للتدخلات العسكرية والانقلابات وتغييرات النظام غير الديمقراطية في جميع أنحاء العالم، وفي الجانب الآخر تستغل الأحزاب والمنظمات اليمينية المحلية ذلك، فتنشر الأفكار الرجعية وتدعو للعنف ضد الأقليات المحرومة بحجة «مناهضة الإمبريالية» و«القومية». يدعي هؤلاء أن الأهداف الاجتماعية التقدمية لا تتعدى كونها أفكارا مستوردة من الغرب ويتخذون معارضتها بديلا عن معارضة النظام الاقتصادي النيوليبرالي الذي ينتقدونه ظاهريًا ليس إلا. إن هؤلاء بفكرهم هذا لا يرقون إلا لأن يكونوا كلاب هجوم عند هذا النظام الإمبريالي نفسه، فيهاجمون نيابة عنه تلك الشرائح المضطهدة من المجتمع. تتوضح هذه المفارقة بالذات عند اليمين العنصري وخطابه المعادي للمهاجرين وطالبي اللجوء وممارساته العنيفة ضدهم، وهذا كله يفضحهم ويفضح توجهاتهم الرجعية، فهم فعلا يمثلون المخالب الممدودة والوجه العاري للإمبريالية ولفكرة «أوروبا المسيحية البيضاء».

هذا كله سبب الأهمية العاجلة للعودة إلى إرث حركة عدم الانحياز ولمنع التقسيم العالمي الجديد الذي تريد الإمبراطورية فرضه وللإصرار على حق صربيا وأخواتها من دول العالم في اختيار مسار التنمية الخاص بهن.

الموت للإمبريالية! الحرية للشعوب!

مؤتمر حزب اليسار الراديكالي
الثامن عشر من كانون الأول ديسمبر لعام ٢٠٢٢
بلغراد

BUDI U TOKU!

Prijavi se na naš newsletter i budi u toku sa svim našim aktivnostima i novim sadržajem.